- مائة ألف تحفة نادرة من المقتنيات تغطي 12 قرنًا هجريًا
- أقدم مصحف من العصر الأموي بالمخطوطات.. يتزين بـ «مفتاح الكعبة المشرفة»
- سيف محمد «الفاتح» أبرز الأسلحة.. وأقدم دينار إسلامي يعود إلى 77هـ
- إبريق نادر لمروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين.. ومنبر «طاطا» الحجازية
تقرير: رامز رأفت
يعد “متحف الفن الإسلامي” بمنطقة باب الخلق بقلب القاهرة التاريخية أكبر متحف إسلامي فني في العالم؛ حيث يضم المتحف ما يزيد على 100 ألف قطعة أثرية متنوعة من الفنون الإسلامية من الهند والصين وإيران، مرورًا بفنون الجزيرة العربية والشام ومصر وشمال إفريقيا والأندلس.
وترجع أهمية هذا المتحف إلى كونه أكبر معهد تعليمي في العالم، معني بمجال الآثار الإسلامية وما يعرف بالفن الإسلامي ككل. فهو يتميز بتنوع مقتنياته سواء من حيث أنواع الفنون المختلفة كالمعادن والأخشاب والنسيج وغيرها، أو من حيث بلد المنشأ كإيران وتركيا والأندلس وغيرهم.
نشأة المتحف
بدأت فكرة إنشاء متحف للفنون والآثار الإسلامية في عصر الخديو إسماعيل، وبالتحديد في 1869م، عندما قام “فرانتز باشا” بجمع التحف الأثرية التي ترجع إلى العصر الإسلامي في الإيوان الشرقي لجامع الحاكم بأمر الله. وازدادت العناية بجمع التحف عندما أُنشئت لجنة حفظ الآثار العربية عام 1881م، واتخذت من جامع الحاكم مقرًا لها. ولما رأى “هرتز بك” ضيق المساحة في صحن الجامع، استقر الرأي على بناء المبنى الحالي في ميدان باب الخلق، وأًطلق عليه اسم (دار الآثار العربية)، وتم وضع حجر الأساس سنة 1899م، وانتهى البناء سنة 1902م، ثم نقلت التحف إليه، وتم افتتاحه على يد الخديو عباس حلمي في 28 ديسمبر سنة 1903.
وكان عدد التحف سنة 1882 مائة وإحدى عشرة تحفة، وظل يزيد حتى وصل قرابة ثلاثة آلاف تحفة عند افتتاح الدار سنة 1903م. وقامت أم الخديو عباس حلمي الثاني بإهداء الدار مجموعة من التحف القيمة، وتعد بذلك أول من أهدى تحفًا للمتحف، ثم توالت بعد ذلك الإهداءات من الأمراء والملوك والهواة، فقام الأمير يوسف كمال سنة 1913م بإهداء مجموعته القيمة، تلاه بعد ذلك الأمير محمد علي سنة 1924م، ثم الأمير كمال الدين حسين 1933م؛ ثم الملك فؤاد الذي أهدى للدار مجموعة ثمينة من المنسوجات والموازين، ومجموعة الملك فاروق الأول من الخزف 1941م. وتضاعفت مجموعات المتحف عندما تم شراء مجموعة رالف هراري سنة 1945م، وكذلك مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم من الخزف والسجاد، وذلك في سنة 1949م؛ حيث بلغ عدد التحف سنة 1952م ( 16524) ستة عشر ألفًا وخمسمائة وأربع وعشرين تحفة.
مجموعة نادرة
وكان لا بد من توسيع مصادر تزويد الدار بالتحف عن طريق الشراء والحفائر خلال تلك الفترة؛ حيث أمدت الحفائر التي قام بها المشرفون على دار الآثار العربية في الفسطاط، وجبل درونكة جنوب غرب أسيوط، وغيرها من الأماكن بمجموعة هائلة من القطع الأثرية؛ وكانت آخر الهدايا القيمة التي تلقاها المتحف المجموعة النادرة من أدوات الطب والجراحة التي أهداها للمتحف في الربع الأخير من القرن العشرين الطبيب وعالم الآثار د. هنري أمين عوض.
وتم تغيير اسم “دار الآثار العربية” إلى “متحف الفن الإسلامي”، وذلك لأن الفن الإسلامي يشمل جميع أقاليم العالم الإسلامي العربية وغير العربية تحت رعاية الخلفاء والحكام المسلمين على امتداد الإمبراطورية الإسلامية. وقد اشتملت مجموعات المتحف علي العديد من روائع التحف الفريدة التي تبين المدى الذي وصل إليه الفنان المسلم من ذوق رفيع ودقة فائقة في الصناعة.
الافتتاح الأول
افتتح المتحف لأول مرة في 9 شوال 1320هـ/ 28 ديسمبر 1903 م في ميدان “باب الخلق” أحد أشهر ميادين القاهرة الإسلامية، وبجوار أهم نماذج العمارة الإسلامية في عصورها المختلفة الدالة على ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية من ازدهار كجامع ابن طولون، ومسجد محمد علي بالقلعة، وقلعة صلاح الدين، ليكون ثاني مبنى شيد بالخرسانة المسلحة بعد المتحف المصري، وحضر الاحتفالية الأمير محمد علي باشا، والأمير أحمد فؤاد “الملك فؤاد الأول فيما بعد”، كما حضرها رياض باشا، رئيس مجلس النظار (الوزراء)، واللورد كرومر، المندوب السامي البريطاني، وقناصل الدول الأجنبية، والشيخ حسونة النواوي، شيخ الجامع الأزهر، والإمام محمد عبده، مفتي الديار المصرية، وعدد من أعضاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، ورئيس وأعضاء لجنة حفظ الآثار العربية، وعدد من أصحاب الصحف والصحفيين، وعدد كبير من الأعيان. وقد سُمي بهذا الاسم منذ عام 1952م، وذلك لأنه يحتوي على تحف وقطع فنية صنعت في عدد من البلاد الإسلامية، مثل: إيران وتركيا والأندلس والجزيرة العربية.
تطوير المتحف
في 14 أغسطس 2010 افتتح الرئيس الأسبق حسني مبارك متحف الفن الإسلامي بعد انتهاء عملية التطوير والترميم الشاملة للمتحف، والتي استغرقت نحو 8 سنوات، وتمت الاستعانة بمؤسسة “أغاخان” لتخطيط المتحف، كما تمت عملية الترميم بمساعدة خبراء من فرنسا متخصصين بترميم قطع الفسيفساء والنافورات الرخامية، وهي أكبر عملية تطوير يشهدها المتحف خلال مائة عام. وجاء الاحتفال بانتهاء التطوير متزامنا مع الاحتفال بمئوية إنشاء المتحف.
وتضمنت عملية تطوير المتحف تهيئة قاعاته وفقًا للتسلسل التاريخي، وتزويده بأحدث وسائل الإضاءة والتأمين والإنذار إضافة إلي تغيير سيناريو العرض المتحفي وتزويده بفتارين عرض حديثة على أعلى مستوى من سيناريوهات العرض المتحفية لتتناسب مع الكنوز الأثرية والفنية التي يحويها، وإعداد حديقة المتحف بالشكل الذي يتناسب مع تاريخه، فضلا عن تهيئة المنطقة المحيطة بحرم المتحف بما يتوافق مع تنشيط حملة علمية للتوعية بالآثار الإسلامية، كما سيتم تزويد المتحف بوسائل تأمين حديثة لحمايته من السرقة، وتأثير العوامل المناخية.
مقتنيات المتحف
يضم المتحف مقتنيات تتجاوز مائة ألف تحفة تغطي ما يقرب من 12 قرنًا هجريًا، ويزخر بالتحف الإسلامية مختلفة المنشأ، ابتداءً من الهند والصين وإيران وسمرقند، مرورًا بالجزيرة العربية والشام ومصر وشمال إفريقيا وانتهاء بالأندلس وغيرها. كما يضم المتحف مكتبة بالدور العلوي تحتوي على مجموعة من الكتب والمخطوطات النادرة باللغات الشرقية القديمة، مثل: الفارسية والتركية، ومجموعة أخرى باللغات الأوروبية الحديثة، مثل: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، إضافة إلى مجموعة كتب في الآثار الإسلامية والتاريخية، ويبلغ عدد مقتنيات المكتبة أكثر من 13000 كتاب.
أسلوب العرض
ينقسم أسلوب العرض الحديث للمقتنيات داخل المتحف إلى قسمين: الأول: يمثل الفن الإسلامي في مصر ويأخذ الجناح الشمالي. والثاني: يخصص للتحف التي تمثل تاريخ الفن الإسلامي في الأناضول وإسبانيا والأندلس. وتبعًا لأعمال التطوير فقد أنجزت قاعات لبيع الهدايا، وقاعة لكبار الزوار مصممة وفق طراز إسلامي. وتم استخدام وسائل تكنولوجية حديثة في الحفاظ على مقتنياته. وتعد بعض مجموعات المتحف من أغنى المجموعات في العالم، مثل: مجموعات الخزف الإيراني والتركي ومجموعة التحف المعدنية ومجموعة السجاجيد، التي تضاعفت بعد اقتناء جانب كبير من مجموعة المرحوم الدكتور علي إبراهيم في سنة 1949، وقد حدث نمو هائل في مجموعات المتحف.
حيث إن عدد التحف المسجلة عند افتتاحه في ديسمبر 1903 بلغ نحو 7000 تحفة، زاد إلى نحو 60000 سنة 1954، لكنها الآن تزيد على 100000 قطعة.
ومن أحدث مقتنيات المتحف كنوز لسيدات حملت بعض البيوت الأثرية بالقاهرة أسماءهن، مثل: السيدة زينب خاتون. ومن هذا المنزل تم اقتناء العملات الذهبية والفضية، وكنز آخر يسمى كنز درب الأزازي، إضافة إلى ما يستخدم من إهداءات، تقوم بإهدائها شخصيات عربية وإسلامية للمتحف، وتم عرضها جميعًا ضمن مقتنيات المتحف في ثوبه الجديد.
الأقسام الداخلية
ينقسم المتحف الإسلامي تبعًا للعصور والعناصر الفنية والطرز، من الأموي والعباسي والأيوبي والمملوكي والعثماني، ويقسم إلى 10 أقسام تبعًا للعناصر الفنية، وهي: المعادن والعملات والأخشاب والنسيج والسجاد والزجاج والزخرف والحلي والسلاح والأحجار والرخام.
المخطوطات
يصل عدد المخطوطات في المتحف إلى 1170 مخطوطة نادرة، تنتمي لإيران ومصر والمغرب والهند وإسبانيا وغيرها، وهي تنقسم إلى مجموعات، منها مجموعة مصاحف متنوعة كبيرة بعضها من مصر وبعضها من دول أخرى، مثل: إيران والمغرب وإسبانيا. ويحتوي القسم على أقدم مصحف يرجع إلى العصر الأموي في القرن الأول وبداية الثاني الهجري، وهو مكتوب على عظم الغزال، وبدون تشكيل أو تنقيط؛ لأن هذه الطريقة كانت سائدة في تلك الفترة، وهي مختلفة عن تلك التي نعرفها اليوم، بالإضافة إلى مجموعة من المصاحف الفريدة التي أبدع فيها الفنان المسلم، مزينة بزخارف جميلة بأساليب فنية متنوعة، منها: الضغط والتذهيب والتلوين والتخريم والتفريغ، فصارت أول صفحتين من المصحف لوحة جمالية يبدعها أربعة فنانين، هم: الخطاط والمذهب والمصور والمجلد.
ومن المخطوطات النادرة التي يضمها المتحف كتاب “فوائد الأعشاب” للغافقي، ومصحف نادر من العصر المملوكي، وآخر من العصر الأموي مكتوب على رق الغزال، إضافة إلى نحو 70 نوعًا من الخطوط، منها: خطوط لياقوت المستعصمي، أشهر الخطاطين، والشيخ عبد العزيز الرفاعي آخر الخطاطين العظماء في مصر.
الخزف والفخار
يضم أنواع الخزف والفخار في مصر منذ العصر الأموي، ونتائج حفائر الفسطاط، والخزف ذو البريق المعدني الذي اشتهر في العصر الفاطمي والمملوكي في مصر، والخزف الإيراني، والخزف والفخار العثماني المنسوب إلى “رودس وكوتاهية”، وخزف إيران طراز سلطان آباد والبورسلين الصيني.
الأخشاب
يحتفظ متحف الفن الإسلامي بمجموعات متميزة من الخشب الأموي الذي زخرفه المصريون بطرق التطعيم والتلوين والزخرفة بأشرطة من الجلد والحفر، ومنها أفاريز خشبية من جامع عمرو بن العاص ترجع إلى عام 212 هجرية، وأخشاب من العصر العباسي بمصر، وخاصة في العصر الطولوني الذي يتميز بزخارفه التي تسمى “طراز سامراء”، وهو الذي انتشر وتطور في العراق، فهو يستخدم الحفر المائل أو المشطوف؛ لتنفيذ العناصر الزخرفية على الخشب أو الجص وغيرها.
وتتنوع التحف في هذا القسم ما بين المنابر الأثرية من العصر الفاطمي والأيوبي والمملوكي، والأحجبة الخشبية، وكراسي المقرئين الموجودة بالمساجد والجوامع الأثرية، ومجموعات الصناديق الخشبية التي تخص السلاطين والأمراء المسلمين، وجميعها منفذة بطرق الحشوات المجمعة والتجليد والتذهيب والحفر والتجسيم، وتأتي أهمية التحف الخشبية التي يضمها المتحف من كونها تمثل تطور زخارف سامراء، وهي تحف نادرة، ولم يعثر على مثيلها في سامراء العراق نفسها. ويحتوي المتحف على منبر «طاطا» الحجازية، وهو المنبر الذي ينتمي إلى أسرة السلطان قلاوون، إضافة إلى منبر آخر يعبر عن قيمة فنية غاية في الروعة، يجمع بين زخرفة العمارة الإسلامية التي أبدع فيها الفنان المسلم، والغرض التطبيقي من تشكيلها، وهو أن تصبح تحفه فنية.
المعادن
من أهم مقتنيات المتحف من المعادن الإسلامية تأتي الشمعدانات المملوكية، وإسطرلاب (من أدوات الفلك)، والطسوت، والثريات، والكراسي، وكلها منسوبة إلى السلاطين والأمراء، وهي محلاة بالذهب والفضة ومزينة بالكتابات والزخارف الإسلامية.
ومن أندر ما يضمه المتحف من التحف المعدنية ما يعرف بإبريق مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، ويمثل هذا الإبريق آخر ما وصل إليه فن صناعة الزخارف المعدنية في بداية العصر الإسلامي، وهو مصنوع من البرونز، ويبلغ ارتفاعه 41 سم وقطره 28سم .
كما يوجد في المتحف مفتاح الكعبة المشرفة من النحاس المطلي بالذهب والفضة باسم السلطان الأشرف شعبان، وأقدم دينار إسلامي عُثرَ عليه حتى الآن، ويعود إلى عام 77 هجرية، بالإضافة إلى مجموعة متميزة من المكاحل والأختام والأوزان تمثل بداية العصر الإسلامي الأموي والعباسي ونياشين وأنواط وقلائد من العصر العثماني وأسرة محمد علي.
الزجاج
يحتوي المتحف على نماذج من الزجاج الإسلامي الذي انتشر في مصر والشام وخاصة في العصرين المملوكي والأيوبي، وضم ومجموعة نادرة من المشكاوات المصنوعة من الزجاج المموه بالمينا، وتعد أهم نماذج فن الزجاج.
ويضم المتحف نماذج من الزجاج المعشق التي تعكس إبداع الفنان المسلم في هذا المجال؛ حيث يوجد الزجاج المعشق الهندي المعبر عن الارتفاع والانخفاض واستنباط الأنماط الزخرفية الهندسية، ويعبر عن علاقة الروح بالعقيدة في هذه الأنماط.
النسيج
يضم القسم مجموعات قيمة من السجاجيد المصنوعة من الصوف والحرير، وترجع إلى الدولة السلجوقية والمغولية والصفوية والهندية المغولية في فترة القرون الوسطى الميلادية. ومن أشهر النسيج الذي يحتويه المتحف نسيج القباطي المصري، ونسيج الفيوم، والطراز الطولوني من العصرين الأموي والعباسي، ونسيج الحرير والديباج، ونسيج الإضافة من العصر المملوكي.
الأسلحة
تضم القاعة أسلحة السلاطين والخلفاء الذين أدوا أدوارًا مهمة في الحفاظ على الحضارة والديانة الإسلامية، ومنهم السلطان العثماني محمد الثاني «الفاتح» وسيفه الذي تقلده عند فتحه القسطنطينية، وعليه كتابات تدعو إلى العدل والعطف على الفقراء والمساكين.
الفلك والرياضيات
يضم المتحف مجموعة نادرة من أدوات الفلك والهندسة والكيمياء والأدوات الجراحية والحجامة التي كانت تستخدم في العصور الإسلامية المزدهرة، بالإضافة إلى أساليب قياس المسافات كالذراع والقصبة، وأدوات قياس الزمن، مثل الساعات الرملية.
وتشير مقتنيات المتحف إلى الكيفية التي استطاع بها المسلم قياس الزمن من خلال المزاولة، واستطاعته قياس المسافات من خلال الساعات، كذلك فإن المتحف يدل على براعة الفنان المسلم في تحديد القبلة؛ حيث توجد بالمتحف علبة من النحاس كان يتم استخدامها في تحديد اتجاه القبلة قبيل الصلاة، إضافة إلى علبة من الخشب بداخلها مؤشر وإبرة مغناطيسية كانت تستخدم لتحديد اتجاه مكة المكرمة والقبلة من كل الاتجاهات، وعلى قسمها العلوي صورة للكعبة المشرفة.
العلوم والطب
يضم المتحف مجموعة من الأدوات التي تعكس براعة المسلمين في الطب ومعرفتهم له، مثل: أدوات علاج الأنف، والجراحة، وخياطة الجروح، وعلاج الأذن، وملاعق طبية، وضاغط للسان، إضافة إلى رسومات تبين جسم الإنسان ودور كل عضلة من العضلات، ورسائل في علم الصيدلة والطب، ورسائل طب الأعشاب.